مقالات

ماجد ابراهيم يكتب: لماذا لا تذيع إذاعة القرآن الكريم أغاني؟

منذ حداثة سني وأنا لم تعرف حياتي معنى الاستقرار الأسري.. وربما أنا واحد من ضحايا الانفصال الأسري وبسببه دقت مرار الدنيا بأسوأ أحوالها.. ولازالت نسبيا..

المهم أنني وفي مطلع التسعينات وهروبا من مشاكل أسرية لاحقت أمي تركنا بيت العائلة في شبرا وسكنا في منطقة ريفية تسمى الحزانية وهي تتبع محافظة القليوبية مركز شبين القناطر وهي قرية قريبة من القاهرة جدا حيث تبعد عنها بنحو 30 كيلوا وربما تعتبر الآن ضمن نطاق القاهرة الكبرى.

وقد سكنا فيها منذ عام 1991 وحتى عام 1993 وكان عمري حينها 12 عام.. وكان أول ما لفت نظري هناك أن المسجد الكبير بالقرية يأتي قبل كل موعد صلاة بنحو ربع ساعة ويفتح مكبر الصوت على إذاعة القرآن الكريم.. وكنت اسمع دوما قبيل صلاة العصر تحديدا برنامج براعم الإيمان الذي يبدأ بكورال أطفال رائع.. والذين كانوا يتغنون ببيت شعر يقول : “نبينا الهادي محمد.. عن سائر الخلق اصطفاه.

ولأنني كنت طفل ساذج كنت أسمع عبارة “عن سائر الخلق” بمنطوق كلمة بلا معنى هي (عفائر الخلق).. المهم أن ما كان يلفت نظري أن اللحن الذي يؤدي به الأطفال هذا المقطع لا يوجد خلفه أي موسيقى تدعمه.. ناي مثلا مع دفوف أو قانون مع كمانجا لتعزف نغمة تؤدي للحالة الشعورية الجميلة التي كنا نسمعها حينها.. بلحن يؤديه الأطفال بأصواتهم..
صحيح أن بعد انتهاء الأطفال من الغناء نسمع نشاز صوت المذيع الغليظ وهو يقول “براعم الإيمان” برنامج يعده ويقدمه فلان الفلاني.. إلا أني كنت أتسائل عن السر في عدم اذاعة أي نوع من الموسيقى في اذاعة القرآن.

وقد كان هناك برنامج ديني آخر اسمه “بريد الإسلام” كنت اسمعه بشغف يوميا لأنني كنت مُتيم حينها بسماع رأي الشيوخ كطفل أزهري التعليم – بشكل مفاجئ طبعا – بعدما حولتني أمي من التعليم العام في المرحلة الإبتدائية إلى التعليم الأزهري في المرحلة الإعدادية..وقد أرسلت ذات مرة سؤال للبرنامج وسألتهم “هل الأغاني حرام..؟”

وفوجئت في إحدى الحلقات أن أذاع البرنامج سؤالي واسمي وأجاب الشيخ المجيب حينها بإجابة دبلوماسية كإجابة الشيخ الشعراوي قائلا أن الإسلام يشجع على الفنون الجيدة كالشعر ولعب الرياضة – مع ان الرياضة مالهاش علاقة بالفن – وأن الفن الجيد لا بأس به و….. وخطبة طويلة عصماء مفداها أن الإسلام لا يمانع من الفن الجيد ومنتهى الكلام أن الأغاني حلالها حلال وحرامها حرام وأن الحرام فيها هو ما يثير الغرائز..

وبالطبع فرحت بالإجابة على سؤالي جدا.. (رغم أن نهاية الإجابة تحمل بين طياتها الهوس الجنسي المعتاد لدى الفقهاء) وهذه الإجابة شجعتني أن أرسل رسالة أخرى للبرنامج بسؤال آخر هو.. “لماذا لا تذيع إذاعة القرآن الكريم أغاني؟ والحقتها بكلمة (دينية) لأنني كنت أعي فكرة التخصص في اذاعة القرآن الكريم..

لكن السؤال لم يجد سبيلا للإجابة وتم تجاهله رغم تكرار إرسالي له عبر البريد وهنا تبقت في ذهني علامة استفهام لم أجد عليها إجابة منذ ذلك الوقت.. مع عدد آخر من علامات الاستفهام التي كنت أراها في الأزهر وفي دروس الفقه والتي فتحت في شبابي بابا للتمرد والبحث عن الحقيقة.. حتى وصلت ليقيني التام بأن الإسلام تم تشويهه عن عمد من قبل تيار الاسلام السياسي لأغراض عدة ليست محل الحديث الآن..

لكني كنت أتسائل حينها.. إذا كانت الأغاني مش حرام وحلالها حلال وحرامها حرام.. فلما لا تذيع اذاعة القرآن أغاني دينية.. ولما لا تذيع دراما إذاعية.. في نطاق تخصصها.. ولم تجد أسئلتي أية إجابات..
وبعد مرور السنين وتغير أفكاري وفهمي للتأثير السلبي للفكر الإخواني والسلفي على حياتنا أدركت معلومة مهمة..

أولا أن إذاعة القرآن بدأت كإذاعة متخصصة في اذاعات تلاوات القرآن الكريم والتواشيح والابتهالات بدون موسيقي.. وكان هذا مفهوم وطبيعي في تلك المرحلة.. لكن يبقى السؤال المهم الآن ومع تطور الزمن.. لماذا لا تذيع إذاعة القرآن الكريم أغاني دينية بموسيقى.. أم أنها الآن ترسخ لمفهوم السلفيين في تحريم الموسيقى والفنون..

بالطبع لا أطالب الاذاعة باذاعة أغاني عاطفية ولا أغاني ذات طابع يبعدها عن تخصصها.. لكن هناك أغاني دينية عظيمة من أول أغاني أم كلثوم في مدح الرسول الكريم مرور بأغاني جيل العظماء حينها بما فيهم عبد الحليم حافظ وأدعيته الدينية الرائعة وأغاني محمد فوزي والعديد من المطربين الآخرين وكذلك أدعية الشيخ سيد النقشبدني التي لحنها العبقري بليغ حمدي وكذا دعاء أسماء الله الحسنى بلحن العبقري سيد مكاوي بالاضافة لأغاني رمضان مثلا.. فما المشكلة لو تمت اذاعة أغاني رمضان عند بداية الشهر الكريم..

وحديثا هناك أدعية الفنان عمرو دياب التي سجلها بأسماء الله الحسنى.. وكلها أدعية رائعة والموسيقى فيها لا تخل بوقار إذاعة القرآن الكريم.. فما يهمني الآن أن تواكب الاذاعة حداثة الزمن وألا تقف عند شكلها الأول فتوحي للعامة أن هناك بين الدين والفنون خصومة حقيقية على عكس الحقيقة..
ثم لماذا لا تنتج إذاعة القرآن الكريم مسلسلات إذاعية تحكي فيها قصص الصحابة والتابعين بشكل درامي وحتى قصص القرآن والقصص التي فيها بعد تربوي وأخلاقي.. فمالذي سيسيء لاذاعة القرآن في تلك الحالة..؟!

وكذلك البرامج نفسها تحتاج إلى تطوير فهي لم تتغير ولم تتبدل منذ سنوات وكلها برامج قصيرة جدا مدة البرنامج لا تزيد عن 5 دقائق.. بينما يمكن أن تقدم الاذاعة برامج ثقافية تذيع ما يفيد عموم الناس بموضوعات وقضايا هامة ويكون فيها تحاور مع أدباء ومثقفين جنبا الي جنب مع شيوخ الأزهر في اطار منهج الاذاعة وليس خروجا عنه.. بحيث يطول البرنامج لمدة لا تقل عن نصف ساعة وبهذا تكتفي الاذاعة من نمطيتها المعهودة منذ سنوات طويلة.. وتمنح مستمعيها أفق جديد في التنوير..

ففي الصباح الباكر يسمع قطاع عريض من المصريين لإذاعة القرآن الكريم.. وطوال اليوم هناك من ينقل عليها بين الحين والآخر.. فما المانع أن تتخلل التلاوات القرآنية أغاني دينية مميزة وبرامج ثقافية هادفة ودراما إذاعية مفيدة..؟!

هذا هو سؤالي الذي أغضب الكثيرين قبل يومين وأخرح شبح الفكر الداعشي من قلوب البعض الكثير منكم.. وأنتم معذورون فقد تربينا جميعا على عداء غير مفهوم بين الفنون والدين وأصبحنا نتحرج من وضع الموسيقى والقرآن في ميزان واحد رغم أن التلاوات القرآنية تقال بمقامات موسيقية.. واسألوا الشيوخ القدامى أو اسألوا صناع الموسيقى عن تحليلهم الموسيقى لأداء الشيوخ..

فأعتقد أنه قد آن الآوان للتخلص من كل تلك الأفكار المتشددة التي تجعل المساوة بين الفن والدين طرحا من طروح الخيال بينما روح الدين فن..!!

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock