تعرف أغرب جريمة قتل في التاريخ.. لم تتكشف ملابساتها إلا بعد 5000 عام
الإمارات – الحدوتة
كان الألماني هيلموت وزوجته إيريكا يتسلقان جبال الألب على ارتفاع أكثر من ٣٠٠٠ متر فوق مستوى سطح البحر في عام ١٩٩١حين قررا سلوك طريق مختصر بين الجبال. بعد ١٠٠ متر تقريباً من المشي، تفاجآ بجسم إنسان مسجى على بطنه ومغطى بالثلج من أسفله حتى خصره.
أول ما تبادر في أذهانهم هو أنها جثة متسلق آخر كحالهم، فركضوا مباشرة إلى أحد الأكواخ الجبلية التي قد جاوزوها ثم اتصلوا بالشرطة موضحين أنهم وجدوا جثة سائح أو متسلق للجبال في العراء. وصلت النجدة بعد فترة وجيزة وشرعوا في استخراج الجثة لمعرفة ملابسات ما حدث، ولكن المفاجآت تلو الأخرى بدأت تتكشف لهم.
تبين أن الميت كان يحمل معه أدوات قديمة جداً، كفأس ذو رأس نحاسي وملابس مصنوعة من العشب المنسوج وخوذة مصنوعة من جلد الدب وقوس وأسهم وجيب صغير يحوي قطع من الفطر كانت تستخدم في العصور القديمة لأغراض طبية. هنا عرفوا أن ما يتعاملون معه لم يكن من هذا الزمن !!
لذلك قامت الشرطة بالإتصال بعلماء في أحد الجامعات القريبة وأرسلوا لهم الجثة للتحقق منها. وبعد اختبارات متعددة قام بها أكثر من عالم وباحث في أكثر من مركز توصلوا إلى أن عمر هذه الجثة يقارب 5,300 سنة!
نعم خمسة آلاف وثلاثمائة سنة! …هذا يعني أنه كان ميتاً وقابعاً في محله قبل أن يولد سيدنا محمد و سيدنا عيسى وسيدنا موسى عليهم السلام . بل قبل أن يوجد سيدنا إبراهيم عليه السلام والأديان الإبراهيمية كلها، وكذلك قبل أن تبنى الأهرامات بحوالي 700 سنة!
مر على هذا الرجل وهو مسجى على بطنه أكثر من 53 قرناً أو خمسة ألفيات بدون أن يحركه ويخرجه أحد!…
كان هذا الاكتشاف بمثابة حلم لعلماء الآثار في كل مكان، لأن هذه الجثة كانت محفوظة بشكل ممتاز جداً بفعل دورة البرودة والجفاف عبر القرون في هذه المنطقة الجبلية. كان جلده محفوظاً بالكامل مع لحيته وعينيه وأسنانه وأمعائه وأعضائه الداخلية!
بحسب التقديرات العلمية فإن طوله كان 1.65 متراً ووزنه 50 كيلوغرام وعمره كان 45 عاماً حين توفي، وهو ما يعني وفاته وهو في عمر متأخرة حيث كان العمر في المتوسط الذي يتوفى فيه الشخص في تلك الفترة – عام 3000 قبل الميلاد – ما بين الثلاثين والأربعين. كانت عضلات أقدامه متطورة وقوية بدرجة تقارب المصارع الأولومبي في يومنا هذا، مما حدا بالعلماء إلى التنبؤ بأنه كان صياداً متمرساً في الجبال في ذلك الزمن.
تعلق المجتمع العلمي والمهتمون بهذا الصياد البسيط وطمعوا في معرفة قصته وتفاصيل حياته وسبب وفاته وكأنهم وجدوا نبياً لأحد الأديان أو امبراطوراً لأحد الممالك أو لعظيم من عظماء التاريخ. تصارعت عليه دولتا إيطاليا والنمسا لحيازة جثته لأنه وجد بين حدود الدولتين لكنه كان أقرب لإيطاليا بأمتار، فصار إليها. وفي تسلسل طبيعي للأحداث، قاموا بإعطائه اسماً لتمييزه: Ötzi أو أوتزي، نسبة إلى المنطقة التي وجد فيها.
تم دراسة وتمحيص جثة أوتزي بكثافة وتوسع، حيث فحصت بالأشعة السينية ودرست أنسجته ومحتويات أمعائه مجهرياً، لكن بعد فترة لاحظ أحد الباحثين وجود رأس سهم حجري قرب لوحه كتفه والذي لم تلتقطه الأشعة السينية من قبل لأنه ليس معدني.
لذلك قام الفريق المشرف على دراسته بأخذه “بسيارة إسعاف” إلى المستشفى لتخطيط جسمه كاملاً تحت الأشعة المقطعية الدقيقة التي لم تتوفر إلا هناك، فوجدوا بجانب رأس السهم أن هناك جرحاً عميقاً في بطنه وكسوراً في قفصه الصدري وجمجمته وكذلك كسر في محجر العين (التجويف الحاضن للعين في الجمجمة). هنا بدأت تتضح الصورة، فالمؤشرات حتى هذه اللحظة تشير إلى وفاته تلو قتال عنيف. لكن العلماء لم يكتفوا بذلك، بل أرادوا معرفة المزيد.
لحسن حظهم، أمعاء أوتزي لا تزال موجودة وأمعاء الجثة بالمناسبة هي كخريطة أو مذكرات، حيث يمكن معرفة توقيت الوفاة من مكان الأكل في الأمعاء: إن كان في المعدة فهذا يعني وفاته بعد ساعات بسيطة من أكله أما وهكذا وصولاً إلى الأمعاء الغليظة التي يبقى فيها الأكل يوم أو اثنين.
بالفعل وجد العلماء بقايا أكل في أمعائه متمثلة في حبوب لقاح من نوعين من الأشجار التي تزهر في الصيف: أحدها ينبت في وادي قريب والآخر في قمم الجبال. المتوقع أن حبوب اللقاح هذه أتت من شرب الماء في تلك المناطق. المدهش أن حبوب اللقاح من أعالي الجبال أتت أولاً ثم تلتها حبوب اللقاح من الوادي وأخيراً حبوب اللقاح من أعالي الجبال مرة أخرى.
هذا يعني أنه خلال اليومين السابقين لوفاته وفي فصل الصيف صعد أوتزي إلى أعالي الجبال وشرب الماء هناك ثم نزل للوادي (ربما مكان سكنه) وشرب هناك أيضاً وأخيراً صعد مرة أخرى! لاحقاً وجد العلماء معدته مطوية داخل قفصه الصدري، وبداخلها بقايا لحم ماعز وخبز (وجبته الأخيرة التي أكلها قبل وفاته بساعة أواثنتين)!
القصة كما تبدو للباحثين هي كالآتي: كان أوتزي يصيد في أعالي الجبال (كما يبدو من عدته وبنيته الجسمية) ثم نزل إلى قريته أسفل الوادي، وخلال يوم (بحيث لم تخرج حبوب اللقاح التي التقمها من أعلى الجبل من أمعائه بعد) عاد إلى الجبال ربما بسبب غزو على قريته (المسافة كبيرة نسبياً بين أعلى الجبل والوادي حيث يصل فارق الإرتفاع إلى ١٠ الاف قدم!! لذلك رجوعه بهذه السرعة قد يشير لوجود سبب طارئ).
قد يكون أوتزي مطارداً وقتها حيث تعرض لجرح في يده قبل وفاته بيوم أو اثنين (تحليل الأنسجة في الجرح تبين أنها لم تلتئم تماماً مما يعني وفاة الجسم قبل إتمام عملية الالتئام، كما يظهر أيضاََ آثار نبات بري يستخدم في التطبيب). وأخيراًوبعد التهامه وجبته الأخيرة المتمثلة بلحم الماعز والخبز، تلقى أوتزي سهماً اخترق صدره من الجهة اليسرى قاطعاً الشريان أسفل الترقوة حتى وصل رأس السهم إلى لوح الكتف الأيسر، ثم عمد القاتل -كما يعتقد الباحثون- إلى تهشيم رأس أوتزي بحجر قريب. نهاية أوتزي كان نتيجة النزيف الحاد داخلياً وخارجياً مما أدى بدوره إلى سكتة قلبية ووفاته خلال ٢٠ دقيقة إلى نصف ساعة.
القصة توضح جيداً قدرة التكنولوجيا والمعرفة الحديثة على كشف أسرار الماضي بدقة مدهشة وكأننا كنا حاضرين وقتها. طبعاً القصة ليست محسومة ولا زالت هناك بعض الأحداث التي قد يختلف عليها الباحثون