حسن إسميك يشيد بتعليق الإمام الطيب عن الدين الإبراهيمي
عبّر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، عن سعادته بالاتصال مع سمو الشيخ محمد بن زايد وتهنئته باختيار الإمارات العربية لاستضافة قمة المناخ COP28 ليؤكد الإمام أيضا أن الاتحاد الإماراتي “جزء عزيز من القلب العربي والإسلامي، ويسعد كل عربي بنجاحاته وتمثيله المشرف لوطننا العربي في المحافل الدولية”.
من جانبه قال الكاتب والمفكر حسن إسميك، إنه يمكن النظر لهذه التغريدة كخبر اعتيادي مثله مثل بقية ما يصدر عن الأزهر أو شيخه من أخبار واتصالات وأحداث، فالمكانة الروحية والدينية لمؤسسة الأزهر وعلاقات الإمام الطيبة مع الجميع، بالإضافة إلى سماته الشخصية ووعيه الإنساني المنفتح على الآخر، تجعله موضع ترحيب دائم حيثما حلّ، وتتيح له الاتصال بالقادة والزعماء السياسيين على المستويات كافة، العربية والإسلامية والعالمية.
وأشار إسميك، إلى التزام الإمام الطيب من موقعه المهم، تحييد نفسه -والمنصب الذي يشغله بطبيعة الحال- عن أي موقف سياسي يستلزم أي نوع من أنواع التحزب أو الاصطفاف أو تعريض نفسه لإكراهات السياسة أو ضروراتها، منوها بأن الإمام الطيب ينطلق في موقفه هذا من اعتبار الدين ذا مكانة أسمى من أن يُستخدم لخدمة السياسة وما يرتبط بها من مصالح وصراعات.
وأكد أن ذلك أسهم وبشكل واضح في ترسيخ كل ما نعرفه عن الإمام الطيب من الجرأة في الحق، والوضوح في الخطاب، والخلو من التناقض والتعارض، والثبات في المواقف، والقوة في الحجة والبرهان، يشهد على ذلك ثقة الإمام بما يدلي به من آراء ووجهات نظر، وما يطلقه من أحكام وتصريحات، وما يصدر عنه من توجيهات وقرارات اتجاه المسؤوليات المناطة به كرأس هرم المؤسسة الإسلامية الأكثر عراقة وشهرة حول العالم.
أضاف: غير أنه وبالتوازي مع ما يُثار اليوم من هجوم على شيخ الأزهر، وعلى الإمارات العربية المتحدة، ينبغي قراءة ما خلف التغريدة من رسائل مضمّنة، والعودة لما أدلى به الإمام من تصريحات قبل ذلك بأيام، وتحديداً في الثامن من نوفمبر الجاري في الاحتفالية التي جرت بمرور عشر سنوات على تأسيس بيت العائلة المصرية، والذي يرأسه الإمام بالشراكة مع بابا الكنيسة القبطية.
تابع إسميك، أن حديث الطيب، أمام أعضاء بيت العائلة المصرية وضيوف الاحتفالية من سفراء ودبلوماسيين ومفكرين، لم يفوت الفرصة ليناقش واحدة من القضايا التي أُثير الجدل، واللغط أيضا، حولها أكثر من مرة خلال العامين المنصرمين، حيث بيّن موقفه صريحاً وواضحاً، مما جرت تسميته بالديانة الإبراهيمية الجديدة، أو “الدين الإبراهيمي” كما جاء في كلمته، ليؤكد ليس من المنطلق العقائدي فحسب، بل والإنساني أيضاً، رفضه القاطع لهذه الدعوة، لكونها “دعوة لمصادرة أغلى ما يمتلكه بنو الإنسان وهو: حرية الاعتقاد وحرية الإيمان، وحرية الاختيار، وكل ذلك مما ضمنته الأديان، وأكدت عليه في نصوص صريحة وواضحة، ثم هي دعوة فيها من أضغاث الأحلام أضعاف أضعاف ما فيها من الإدراك الصحيح لحقائق الأمور وطبائعها”.
في الحقيقة، وكما نوّه الإمام لاحقاً في كلمته، لا يوجد حتى الآن ما يسمى الدين الإبراهيمي، ولا أعتقد أنه سيوجد في يوم من الأيام، فالدين إنما يكون موجوداً بوجود دعاته ودور العبادة فيه والمؤمنين به، بينما نحن لا نسمع ونرى سوى اتهامات جوفاء مفرغة من أي مضمون عقلي، عن الدعوة لعقيدة جديدة لا وجود لها حتى الآن إلا في رؤوس مطلقي هذه الاتهامات والادعاءات، والذين يتعمدون الخلط بين سياقين اثنين مختلفين تمام الاختلاف، الأول سياسي بحت يتعلق بالاتفاق الإبراهيمي الذي اختير كتسمية لاتفاقيات السلام التي ربطت بين “إسرائيل” وكل من دولتي الإمارات والبحرين، ولا بد من التأكيد على أن هذه الاتفاقيات سياسية بحتة، ترتبط بمصالح الدول وأهدافها التي يعود تقديرها للقادة والمسؤولين فيها، وتُتخذ القرارات بشأنها بناء على رؤية هؤلاء المسؤولين لمصالح بلدانهم، وانطلاقاً مما يقدرونه مناسباً لدولهم وشعوبهم من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
أما السياق الثاني فهو سياق فكري إنساني أسست له الإمارات العربية المتحدة يتمثل بـ “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي كُتبت ووُقعت عام 2019 بيدي أهم شخصيتين دينيتين على مستوى العالم، بابا الفاتيكان قداسة الأب فرانسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، وذلك في احتفالية عالمية كبرى استضافتها دولة الإمارات العربية المتحدة برعاية الحكومة الاتحادية وعلى أرض أبوظبي، وقد انضم إليهم لاحقاً الحاخام بروس لوسيج. لتكون وثيقة الأخوة الإنسانية بياناً عالمياً للتأكيد على مواجهة التطرف الفكري وتعزيز العلاقات الإنسانية بين الأديان والعقائد جميعها دون استثناء، بغية تركيز الجهود على إحلال السلام العالمي ونبذ كافة أشكال العنف والتطرف وإلغاء الآخر.
وعلى إثر هذه الوثيقة صدر التوجيه من قادة الإمارات بتأسيس البيت الإبراهيمي تخليداً لذكرى الاتفاقية، والذي سيضم مسجداً باسم الإمام الطيب تقديراً لجهده وشجاعته، وكنيسة وكنيساً أيضاً، بالإضافة لمركز ثقافي، على صعيد واحد، “تجسيداً لسياسة الدولة في التسامح واحترام التعدد ودعماً للتعايش والتآخي بين أبناء الديانات السماوية الثلاث”.
يأتي موقف الإمارات هذا ضمن سياق توجه الدولة نحو دعم وتكريس منظومة القيم الداعية إلى التسامح، والعيش المشترك، وإحلال الحوار مكان كافة أشكال العنف والصراع في الخصومات، ليس على المستوى المحلي والإقليمي فحسب، بل والعالمي أيضاً، انطلاقاً من سياسة الدولة في المبادرة لنقل العالم من الصراع إلى التعايش والتآخي بين الجميع.