يجزم المتخصصون في مجال الذكاء الاصطناعي أنه سيود لا محالة خلال سنوات قليلة بتطورات وتقنيات مذهلة، وعلى صعيد آخر يشكك بعض المثقفين في استمرار الخلاف الفقهي أو حتى التعامل معه، بل ينتظر البعض منهم بفارغ الصبر سيادة هذا النوع الجديد من الذكاء للتخلص من أي عبء أو مشاكل يعانون منها في التراث.
ورأي العلماء والفقهاء قديمًا ومازالوا أن الخلاف الفقهي السائغ في كل العصور هو نعمة من الله وإرادة إلهية تفضل الله سبحانه وتعالي علينا بها وأنه رحمة بالأمة، وهذا قطعًا ينطبق على الخلاف السائغ والمعتبر وليس الخلاف المفرّق والمشتت للأمة.
وبدأ البعض حاليًا يتطلع ويحلم بإدخال تقنية الذكاء الاصطناعي في مجال الدعوة والفتوى الدينية والتي سيحصل المستفتي من خلالها على إجابات جديدة لتساؤلات جديدة عن طريق قيام الآلة أو الربورت باستخدام خاصية الذكاء الاصطناعي.
والذكاء الاصطناعي لا مفر من التعاطي معه في مختلف المجالات دون استثناء، ولكن في الحقيقة تصوره الآن من الصعوبة بمكان؛ حتى إذا رفضه البعض الآن في المجال الديني قد لا يستمر رفضه هذا طويلًا في المستقبل، فلا بد من استخدامه وتطبيقه وفق الضوابط المعتبرة في قواعد الشريعة وأصولها بما يحقق صالح البشرية ولن يتم إهماله مطلقًا.
والمتصفح للفقه الإسلامي يجد أن الفقهاء قد أقرُّوا أشياء هي في مبدئها مذمومة، ولكنها لما وقعت ولم يكن بُدٌّ عنها لصلاح العباد والبلاد واستقرار الأمور عَدُّوها مشروعة من حيث هي وقعت، فهي من باب “ما يغتفر في الدوام ولا يغتفر في الابتداء”.
وفي الواقع العملي الآن يشكك البعض في قدرة المؤسسات الدينية على التكيف أو تصوّر المستقبل والتعاطي معه، ولكن هذا في الحقيقة لا ينطبق على مؤسسة دار الإفتاء المصرية؛ فقد قطعت شوطًا مذهلًا في الاستعداد للمستقبل؛ والعَيِّنَة بيّنة كما يقال، فقد اقتحمت كل الوسائل المتاحة الآن لتقديم الفتوى بصورة ميسرة وسهلة ومنضبطة بل وحاربت الفكر المتشدد بصورة أشاد بها الجميع.
ولعل هذا أيضًا يظهر في المؤتمرات العالمية للدار؛ فقد بدأت دار الإفتاء المصرية في الإعداد لمؤتمرها السنوي العالمي في نسخته الخامسة، الذي يعقد تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والتي يرأسها فضيلة مولانا الإمام مفتي الجمهورية الأستاذ الدكتور شوقي علام، والتي يتولى أمانتها العامة الدكتور إبراهيم نجم المستشار الإعلامي لفضيلة المفتي تحت عنوان “الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي”، وذلك في الفترة من 15 إلى 16 أكتوبر، وبرعاية كريمة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية.
وقد أشارت الأمانة العامة في تصريحاتها الصحفية أن موضوع المؤتمر يهدف إلى إبراز الريادة المصرية وتجربتها في العيش المشترك والتسامح الفقهي، إضافة الى تجديد النظر إلى الخلاف الفقهي ليكون بداية حل للمشكلات المعاصرة بدلًا من أن يكون جزءًا منها، وتحديد الأصول الحضارية والاتجاهات المعاصرة للتعامل مع مسائل الخلاف وقضاياها، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الإيمان الراسخ بأهمية التعاطي الرشيد مع الماضي والحاضر والاستعداد للمستقبل وفق الضوابط الشرعية المنضبطة.
فكل الأمنيات لدار الإفتاء المصرية وللأمانة العامة ولمؤتمراتها وقياداتها بالتوفيق حاضرًا ومستقبلًا.