ثقافة واحدة أم ثقافات!
دكتور محمد بني هاني
قبول وإدراك تعدد الثقافات من الأمور الهامة في عالم اليوم، والحقيقة أنها مهارة يجب أن يتعلمها الصغار والكبار في مواجهة الغريب والمختلف ويتعلمون كيف يتعاملون معها دون أن تتحول إلى عقبة في طريقهم للتعايش مع الآخر . الخطوة الأولى هي قبول التعددية الثقافية وعدم رفضها. هذا يعطي الفرد الفرصة بالتأكيد على هويته الشخصية والمطالبة باحترامها وقبولها من الآخر. ولكن قبول وعدم رفض الثقافات الكثيرة التي يعيشها الناس ليس بالأمر السهل بسبب الاختلافات الكثيرة والعميقة بينها.
اي شخص يسافر خارج بلده ومنذ اللحظات الاولى يبدأ يستغرب ويتعجب بما يرى، بعض الامور يُفتن بها ويتمنى ان يراها في بلده، وبعضها يراه غريباً وعجيباً ولا يتقبله ويرفضه بشكل قاطع.
يعتمد قبولنا أو رفضنا لهذا المختلف على بعده عن ثقافتنا، فكلما كان بعيدا نرفضه أكثر وأكثر أو نتمناه أكثر إذا أعجبنا به وتشابه مع ثقافتنا.
هذا بالنسبة الى الاختلافات الثقافية التي نواجهها خارج الوطن، ولكن كيف يكون الحال عندما نسافر او نتنقل داخل الوطن ونرى اختلافات كثيرة ونتعجب ونصدم لرؤيتها؟ غالباً، وكما هو الامر بين الدول، نقبل هذه الاختلافات او نرفضها بناء على قربها أو بعدها منا، وغالباً بناءً على حياتنا الشخصية وثقافتنا الخاصة.
المهارة المفيدة هنا ان ندرك ان هناك تباين ثقافي كبير داخل الوطن الواحد وداخل المجتمع الواحد لكي نتفادى التنميط والافتراض ان كل الجيران يفكرون مثلنا. في هذا الزمن المختلف والأبواب المفتوحة ربما يختلف بالرأي أبناء البيت الواحد وهذا الأمر مقبولًا نوعًا ما ونحن بحاجة إلى تعزيز إدراكنا له. افتراض أننا جميعا وكل الجيران حولنا نفكر بنفس الطريقة ليس صحيحاً!
ولكن كيف يحصل هذا الاختلاف؟ الإجابة البسيطة هي نتيجة لتعليمنا وتجاربنا وتفكيرنا العميق، وأحيانًا نخطيء كثيراً بالتعميم عندما نجعل تجربتنا الشخصية تقودنا للافتراض أن العالم كله هكذا. على سبيل المثال اسمع لشخص ظُلم بالمحكمة ولا يعتقد أن القضاء كان عادلاً معه ماذا يقول عن القضاء، أو العاطل عن العمل ماذا يقول عن تساوي الفرص في مجتمعه.
بأي بلد وبأي مجتمع هناك ثقافات كثيرة صغيرة تعيش بنفس المكان وترتبط مع بعضها بما يسمى ثقافة المجتمع وهي الصورة الكبيرة والتي تتشابه بها كثير من الأمور. إدراكنا لهذا الاختلاف والتفاوت بين هذه الثقافات الصغيرة بغاية الأهمية ويساعدنا على فهم مجتمعنا الكبير والمكون من مجتمعات صغيرة كثيرة وعلى فهم المجتمعات الأخرى التي نسافر إليها للعمل أو الفسحة أو الدراسة.
ما نراه عند الاخرين ولا يعجبنا هو أمر لا نستطيع تغييره، وعندما نحاول نعاني من الغربة والإبعاد، وكثير منا يختار أن يحاول. وينتهي بالحياة على هامش المجتمع!
المجتمعات المتحضرة والراقية الآن والقليلة على الإطلاق هي التي توفر البيئة المناسبة لكل فرد فيها أن يعيش ثقافته دون معارضة أو قمع من الأخر الذي يختلف عنه أو معه.
في إحدى المناسبات استشارني مدير مدرسة بأمريكا للتعامل مع الطلاب المسلمين الذين يطالبون بمسجد داخل المدرسة. وبالرغم من كل القوانين التي لا تسمح بتدريس الدين داخل المدارس في أمريكا أقر هذا المدير بإقامة مسجد (غرفة) في مدرسته للطلاب المسلمين (روزفلت هاي سكول) على مبدأ احترام الاختلاف والأديان، والمدير لم يكن مسلماً.
من المهم أن أذكر هنا أن من حق كل فرد أن يطالب باحترام ثقافته وعدم إجباره أو التدخل به لتغيير ثقافته أو معتقداته. والناس المتعلمة والتي تملك حساسية عالية بهذا الموضوع تقدر هذا الاختلاف وتحترمه. أما إذا لم يكن هذا ممكناً يتحول الإختلاف إلى ضعف وتضيع كثير من الطاقات ونعيش حروب الحارات.
بالرغم من أن التعبير السائد الإختلاف قوة، هناك من يحاول أن يرفض هذا الإختلاف ويفترض أن العالم بكامله يجب أن يسير كما يريد هو. لسوء الحظ أن هناك ثقافة عالمية تحاول أن تذيب الاختلافات التي تحدثت عنها هنا وتدمجها في بوتقة واحدة مما يضعفها ويجعلها غير مناسبة لكل الناس.
قبول الإختلاف والتركيز على التشابه بين الناس من المهارات الضرورية لحياة أفضل وعيش كريم! من حقنا طبعاً أن نرفض هذه الثقافة الواحدة ونطالب باحترام وقبول ثقافاتنا المتعددة.